يقيم ببلد صنع به ذلك فيه، فجعل يبيع أمواله، فقال بعضهم لبعض: اغتنموا غضبة عمرو واشتروا منه «١» قبل أن يرضى. فلمّا اجتمع لعمرو أمواله أخبر الناس بسيل العرم، فأجمعوا على الجلاء، فقال لهم عمران الكاهن أخو مزيقيا: سأصف لكم البلدان فاختاروا أيّها شئتم، من كان منكم ذا همّ بعيد وجمل غير شديد فليلحق بالشعب من كرود «٢» . فلحق به همدان ووداعة دخلت فيهم. قال: ومن كان منكم ذا سياسة وصبر على أزمات الدهر فليلحق ببطن مرّ. فلحقت به خزاعة وهم بنو عمرو بن يحيى انخزعت هناك من إخوتها. ولذلك يقول حسّان [طويل] :
وهم ملك وملكان بنو أفصى «٣» بن حارثة بن عمرو مزيقيا. قال: ومن كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل. فنزلها الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو. وقال: ومن كان منكم يريد الخمر والخمير والديباج والحرير والأمر والتأمير فليلحق ببصرى وجمير- وهي من أرض الشّام. فنزلها غسّان. وقال الزبير بن بكّار إنّه قال:
من كان يريد خمرا وخميرا وبرّا وشعيرا وذهبا وحريرا فلينزل بصرى وسريرا.
وزاد أنّه قال: من كان ذا جمل رفق وهو راض بدقّ فليلحق بأرض شقّ.
فلحق عمران ابن عامر بعمّان، وبها يومئذ شقّ غسّان وهم جفنة والحارث وعوف وكعب وملك والنعمان بنو عمرو بن عامر، ومعهم عمرو بن عامر أبوهم وبنو مازن والأزد، وسمّوا غسّان لأنهم نزلوا على ماء بين الأشعرين وعمك يقال له غسّان فنسبوا إليه. قال شاعرهم [بسيط] :
قال الكاهن: ومن كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيول العتاق والذهب والأرزاق فليلحق بالعراق. فلحق بها بكر بن مالك بن فهم الأزدي وهم من كان بالحيرة من غسّان.