للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٥٩ وللهند في الشطرنج سرّ يسرّونه في تضاعيف حسابها ويتغلغلون بذلك إلى ما علا من الأفلاك ويجعلونه متّصلا بالأجسام السّمائية. ولم تزل كلّ طائفة تستعمل عليها فنون الملح والنوادر المضحكة المدهشة، ويزعمون أنّ ذلك ممّا يبعث على لعبها وانصباب الموادّ وصحيح الأفكار، وهو بمنزلة الارتجاز للمقاتل والحدّ للمغنّي. وقال بعض الشعراء [سريع] :

نوادر الشطرنج في وقتنا ... أحرّ من ملتهب الجمر

كم من ضعيف اللعب كانت له ... عونا على مستحسن القمر «١»

وذكر بعض أهل النظر من الإسلاميّين أنّ واضع الشّطرنج كان عدليّا مستطيعا فيما يفعل وأنّ واضع النرد كان مجبرا، فبيّن باللعب بها أنّه لا استطاعة له بل تصرّفه في أمره على حسب ما يوجبه القدر. ولذلك قال الشّاعر الكاتب المعروف بكشاجم [بسيط] :

لا خير في النرد لا يغني ممارسها ... فضل الذكاء إذا ما كان محروما

تزيل أفعال فصّيها بحكمهما «٢» ... ضدّين في الأمر ميمونا ومشؤوما «٣»

فما تكاد [ترى] «٤» أخا أدب ... يفوته القمر إلّا كان مظلوما

وقال أبو نواس [طويل] :

ومأمورة بالأمر تأتي بغيره ... ولم تتّبع في ذاك غيّا ولا رشدا

إذا قلت لم تفعل وليست مطيعة ... وأفعل ما قالت فصرت لها عبدا

وقال اليعفيلي: لم تلته الملوك والسّادة وأهل المروّة والشّرف بشيء أحسن من الشطرنج وإنّها حكمة وأدب وتدبير ونظر، ولم تضعها الحكماء لتكون لعبا ولا لهوا ولا هزلا، وإنّما وضعتها للبيان يتبيّن بها صحّة النظر في ابتداء الأمور وعواقبها، ولا يكون إقدام المقدم إلّا بعد رؤية ولا تأخير المتأخّر إلّا بعد هزم «٥» . وقد لعب بها التابعون ورخص فيها. وحدّثنا سليمان بن داود عن

<<  <  ج: ص:  >  >>