٥٣٣ وبين هذين الساحلين جزيرة العقل فيها ماء يعرف بماء العقل يستقي منها أهل المراكب ويفعل في القرائح فعلا عظيما، وذكرت الفلاسفة خواصّ هذا الماء وتأثيره. وقد غلب ابن زياد على هذه الجزيرة وله فيها رجال مرتّبون. وفي هذا البحر ممّا يلي بلاد عدن جزيرة سقطرة، وإليها يضاف الصّبر لا يوجد في غيرها، وقد كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر يوصيه بهذه الجزيرة، وأن يبعث إليها جماعة من اليونانيّين يسكنهم فيها لئلّا يغلبوا عليها في سائر الأعصر مراعاة للصّبر، ففعل الإسكندر ذلك فليس في الدّنيا- والله أعلم- موضع فيه قوم من اليونانيّين يحفظون أنسابهم، لم يداخلهم فيها رومي ولا غيره إلّا أهل هذه الجزيرة وهم نصارى. ولهذه الجزيرة أخبار عجيبة من خواصّ النبات.
٥٣٤ وبلاد الحبشة واسعة جدّا، ويتجهّز إليهم التجّار بالأمتعة من مصر واليمن وما يجاورها من بلاد الزّيلع وباضع وسواكن ودهلك. وفي هذه المدائن والجزائر المسلمون والمساجد والحكّام، ومراكب صاحب زبيد وعلائقه من ساحل اليمن تختلف إلى ساحل الحبشة وإلى بلاد النوبة، وبينهم وبين الحبشة مهادنة، ومن بلاد الحبشة إلى بلاد النوبة مسيرة شهر.
٥٣٥ وللحبشة حذق ومعرفة يتباينون بها من سائر قبائل السّودان، وهم أجمل السودان ولهم القناء والكحل والشعور المسترسلة، وليس فيهم من ذفر السودان شيء، وأكثرهم نصارى، وهم يكوون جباههم ومنهم من يكوي وجهه وعفنونه.