للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدهر لم يأت قطّ على قوم بيوم يحبّونه إلّا أتى عليهم بيوم يكرهونه، وأنّ على أبواب السلطان كأشباه الحذر من الفتن وأنّ أحدا لم يصب منهم شيئا إلّا أصابوا من دينه مثيله. قال: فقلت: فكيف صبرك؟ قال: فأقبلت عليّ بوجهها ثمّ قالت: يا سبحان الله تسألني عن الصبر؟ ما ميّز أحد بين الصبر والجزع إلّا أصاب بينهما التقارب «١» في حالتيهما. أمّا الصبر فحسن العلانية محمود العاقبة، وأمّا الجزع فغير معوّض عوضا مع مأثمه «٢» ، ولو كان رجلان «٣» في صورتهما لكان الصبر أولاهما بالغلبة في حسن صورته، وكرم طبيعته في عاجلة من الدنيا وآجلة من الثواب، وكفى ما وعدنا الله أن ألهمناه. قال: قلت: إنّا لم نزل نسمع أنّ الجزع للنساء فلا [يجز عن] رجل بعدك في مصيبة، فقد كرم صبرك. فقالت: أما سمعت الشّاعر وهو يقول [كامل] :

واصبر على القدر المجلوب وارض به ... وإن أتاك بما لا تشتهي القدر

فما صفا لامرئ عيش يسرّ به ... إلّا سيتبع يوما صفوه الكدر

٦٠٩ ولم يزل عمران الحيرة يتناقص مذ بنيت الكوفة إلى أيّام المعتضد بالله، فإنّه استولى الخراب عليها، وكانت فيها ديارات كثيرة ورهبان لحقوا بغيرها من البلاد لاستيلاء الخراب عليها، وأقفرت من الأنيس في هذا الوقت إلّا الصدى والبوم، وأهل الدراية بما يحدث يزعمون (أنّ سعدها سيعود بالعمران) «٤» . وقد كان جماعة من خلفاء بني العبّاس ينزلونها لطيب هوائها وصفاء جوّها وقرب الخورنق والنّجف منها.

وكانت مدّة هذه الحيرة من أوّل وقت عمارتها إلى وقت خرابها [عند بناء] «٥» الكوفة خمسمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>