مذاهب فيها «١» وإنّما يتبرّزون في الأفنية ولا يكاد أحد منهم يفرغ من قضاء حاجته إلّا وقد وقف عليه من يبتدر أخذ ما يكون منه لتدمين البساتين، وربّما اجتمع على ذلك النفر فيتشاجرون «٢» فيه فيخصّ به من أراد منهم، وكذلك نساؤها لا يرين «٣» في ذلك عليهنّ حرجا إذا سترت إحداهنّ وجهها ولم يعلم من هي. ويذكر أهل قابس أنّها كانت أصحّ البلاد هواء هواء حتّى وجدوا بها طلسما ظنّوا أنّ تحته مالا، فحفروا موضعه فأخرجوا منه تربة غبراء، فحدث عندهم الوباء من حينئذ بزعمهم.
١١١٥ وأخبر «٤» أبو الفضل جعفر بن يوسف الكلبي، وكان كاتبا لمؤنس صاحب إفريقية، أنّهم كانوا في ضيافة ابن وانّمو الصّنهاجي صاحب مدينة قابس، فأتاه جماعة من أهل البادية بطائر على قدر الحمامة غريب اللون والصورة ذكروا أنّه لم يروه قبل ولا عهدوه، كان فيه من كلّ لون أجمله وهو أحمر المنقار طويله. فسأل ابن وانمّو من حضره من العرب والبربر وغيرهم هل رآه أحد منهم، فلم يعرفه أحد ولا سمّاه. فأمر ابن وانمّو بقصّ جناحيه وأرسل في القصر، فلمّا جنّ الليل جعل في القصر مشعل نار، فما هو إلّا أن رآه ذلك الطائر فقصد قصده «٥» وأراد الصعود إليه، فدفعه الخدّام وجعل يلحّ في التكرار على المشعل، فأعلم ابن وانمّو بذلك فقام وقام من حضر معه. قال جعفر «٦» : وكنت فيمن حضر، فأمر ابن وانمّو بترك الطائر وشأنه، فصار في أعلى المشعل وهو يتأجّج نارا واستوى في وسطه وجعل يتلقّى كما يفعل سائر الطير في الشمس، فأمر ابن وانمّو بزيادة الوقود في المشعل من خرق القطران وغير ذلك، فزاد تأجّج النار والطائر فيه على حالته