٧٤ وهلك محويل الملك على رأس مائتي سنة من عمر نوح، وملك بعده ابنه الدرمشيل، فأعلى أمر الأصنام وشدّد في عبادتها ودعا الناس كافّة إليها، ونال نوحا بمكروه كثير وحبسه حتّى رأى في منامه رؤيا هالته، فأمر بإرساله من السجن. وهو الذي أدركه الطوفان. ولمّا اتّصل بالدرمشيل أنّ نوحا قد ركب السفينة وحمل فيها ما أمره الله عزّ وجلّ أقبل في عدّة من أصحابه ليحرقها عليهم. فلمّا أتاه قال: يا نوح أين الماء الذي يحمل سفينتك هذه؟
قال: هو يأتيك في مقامك هذا. فقال: هذا أعجب أن تقول إنّه يكون في أرض يبس ماء غمر يحمل هذه السفينة، فانزل منها وإلّا أحرقكم أجمعين.
فقال نوح: ويلك، ما أشدّ اغترارك بالله، فعجّل الإيمان واخلع الأنداد تسلم وترشد. فبينما هو في محاورته إذ أتاه من أخبره أن امرأته كانت تخبز في تنّورها فنبع الماء منه. فقال: وما عسى أن يكون من ماء قد فار من تنّور؟
فقال له نوح: إنّها علامة السخط وإنّ الأرض تخلخل فيأتي الماء من جميعها، فحرّك فرسك فإنّ الماء سينبع من تحت قدميه. فأزال فرسه من موضعه، فإذا الماء ينبع من موضع حوافره، فعاد إلى موضع آخر فكان كذلك. وعادت رسله تخبره أنّ الماء قد كثر وفار، فرجع إلى داره ليأخذ أهله وولده ويتحصّن في المعاقل التي كان عملها لذلك، فكانت الحجارة تنحطّ عليهم من رؤوس الجبال. وفتحت أبواب السماء بماء منهمر، ويقال إنه كان ماء ذميما منتنا، فأهلك أهل الأرض إلّا من كان في السفينة والعوج «١» على ما تقدّم.