عضوا بزعمه، فاجتمع أهله ونساؤه إليه يمرّضونه ويلطّفونه إلى أن مضى هزيع من اللّيل «١» ، فعزم عليهم وصرفهم إلى منازلهم، وبقي مع امرأته واستعمل النوم والتثاقل حتّى كأنّه مغمى عليه. فرأى امرأته قد خرجت عنه إلى البيت الّذي كان فيه المتّهم بها، فجمع حسّه وصار عند باب البيت يستمع «٢» ، فسمعه يقول لها: أبطأت عليّ وتركتني بلا عشاء.
فقالت «٣» : حبسني عنك شغلي بهذا الرجل، فلا تلمني فأنت للنفس وهو للولد. فصمت على ما سمع وتغافل عنه ورجع إلى مضجعه. فما كان إلّا ضحى الغد حتّى تنادى حي ذلك الموضع وأصباحاه. فثاروا إلى العدوّ ورأى هذا الساقط التحامل على نفسه والأنفة من تخلّفه، فلبس سلاحه وركب فرسه وحمل ذلك المتّهم فيمن حمل من أتباعه معهم السلاح. فلمّا برزوا إلى عدوّهم أمر ذلك المتّهم بالتقدّم بين يديه، فلم يجد الى الحيدة سبيلا.
فلما خالط «٤» به العدو وكلل عنه مدبرا، فكان اول صريع ولم يعلم احد شيئا من أمرهما. ثمّ انصرف إلى منزله فحمدت امرأته الله على سلامته، فقال لها: لكنّ الّذي للنفس لم يسلم، فإنّي إنّما للولد. فعلمت أنّه قد سمع مقالتها فقالت: أرسلني إلى أهلي. فقال: اذهبي. فلمّا أبطأت عليه أتى أهلها فقال: ما بال امرأتي لا تعود إلى منزلها؟ فقالوا له: إنّا لا نقدر على صرفها. فقال: وأنا لا أقدر على فراقها. فلجّ بهم الأمر حتّى افتدت منه بجميع ما حمل إليها في صداقها وما تكلّف لها عند إملاكها، فلمّا قبض ذلك ووصل إليه قال لهم: أمّا إذ وصلت إلى حقّي فإنّ الشأن كيت وكيت، وأخبرهم بالقصّة. فقرّرها أهلها واستبانوا الريبة فيها فقتلوها. فبلغ بسياسته إلى التشفّي منها بغير يده وتخلّص من عشيرته «٥» وعشيرة امرأته واسترجع جميع حقّه.