للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحر، واليهود بها يعدلون النصارى كثرة ولها ربض «١» خارج منها.

وصاحب برشلونة اليوم راي مند بن بلنقير بن برّيل، وكان خرج يريد بيت المقدس سنة ستّ وأربعين وأربعمائة فنزل مدينة نربونة على رجل من كبراء أهلها، فتعشّق امرأته وتعشّقته، ثمّ تمادى في سفره حتّى وصل بيت المقدس، ثمّ كرّ راجعا حتّى أتى نربوتة فنزل على ضيفه بها، وليس له همّ إلّا امرأته، فتحكّم ذلك التعاشق بينهما واتّفق معها على أن تعمل الحيلة في الهروب إليه من بلدها فيزوّجها من نفسه. فلمّا وصل إلى برشلونة أرسل إليها قوما من اليهود في ذلك. ودخل «٢» صاحب طرطوشة في الأمر فأوصلهم في الشواني إلى نربونة، فلم تتوجّه اليهود الحيلة في أمرها وأحسّ «٣» زوجها ببعض شأنها وكان بها كلفا، فثقّفها فكان تثقيفه لها سببا لمعونة «٤» أهلها على مرادها. فوصلت مع قوم منهم إلى برشلونة، فنزل راي مند عن امرأته وتزوّج النربونية، فلبست الأولى المسوح وخرجت مع جماعة من أهل بيتها إلى رومة حتّى أتت عظيمها وصاحب الدين بها، وهو الّذي يسمّونه البابه، فشكت إليه ما صنع زوجها وأنّه تركها بغير سبب، وهو أمر لا يحلّ في دينهم، وأنّه «٥» لا يجوز لهم فعله، وإنّما حمله على ذلك عشقه للنربونية «٦» . وشهد لها شهود قبلهم، فحرم البابه على صاحب برشلونة دخول الكنائس وأمر ألّا يدفن له ميّت وأن يتبرّأ منه جميع «٧» من يعتقد النصرانية. فلمّا علم ذلك علم أنّه لا حيلة له معه ولا بقاء في أفق يكون فيه لنصراني حكم. فبذل الأموال ودسّ مشاهير الأساقفة والقسيسين وأوطأهم على الشخوص إلى البابه وأن يشهدوا له بأنّه تقصّى «٨» عن نسب المرأة الّتي ترك فوجدها منه بقربى يحرّمها عليه، وأنّ النربونية فرّت من زوجها لذلك لأنّه كانت منه بنسب وكان يكرهها على المقام معه. فنفذ القوم إلى البابه وشهدوا للقومس «٩» ما أوطأهم عليه، فقبلهم «١٠» وأباح له دخول الكنائس ودفن من مات له وسائر ما حجر عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>