للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليها أنها إحدى الخصال، ولا يجوز له ترك الجميع، لئلا يتعطل المشترك، لأن الجميع أعم من المشترك، وتارك الأعم تارك للأخص ومعطل له، وله الخيار بين خصوصيات الخصال، إن شاء أطعم، أو كسا، أو عتق، فالواجب - وهو المشترك - لا تخيير فيه، إذ لا قائل بأنه إن شاء فعل إحدى الخصال، وإن شاء ترك، والمخير فيه - وهو خصوصيات الخصال - لا وجوب فيه، إذ لا قائل بأن الواجب عليه جميع الخصال على الجمع.

والمشترك في فرض الكفاية هو مفهوم أي طوائف المكلفين، كإحدى الخصال في الواجب المخير، غير أن الخطاب تعلق بالجميع في أول الأمر، لتعذر خطاب بعض مجهول أو معين، مع تساوي الجميع فيه، فيكون ترجيحا من غير مرجح، ولا جرم أنه سقط الوجوب عن الجميع بفعل إحدى الطوائف، لحصول المشترك الوافي بالمقصود، وأثم الجميع بترك جميع الطوائف له، لتعطل المشترك، فهذا هو التحقيق في الأبواب الثلاثة.

ثم قال: الفرق بين الأبواب الثلاثة: وهو أن المشترك في فرض الكفاية هو الواجب عليه، وهو المكلف، وفي المخير هو الواجب نفسه، وهو إحدى الخصال، وفي الموسع هو الواجب فيه، وهو الزمان.

وبهذا يندفع عنا سؤال قد يستصعب، وهو أن يقال: لم لم تقولوا: إن الواجب في المخير جميع الخصال، ويسقط بفعل بعضها، كما قلتم: إن الوجوب في فرض الكفاية على الجميع، ويسقط بفعل البعض؟ فيقال: لأن إيجاب أحد هذين، أو هذه الأشياء على زيد معقول، ويجعل الخيار في التعيين إليه، فلا يلزم منه تعطيل الواجب. بخلاف إيجاب شيء ما على أحد هذين، أو هؤلاء الأشخاص، لأنه يفضي إلى أن يتواكلوا، ويحيل بعضهم على بعض، ولا مرجح فيه، فيتعطل الواجب بالكلية، إلا أن يعود الموجب، فيعين للفعل أحدهم، فيكون إيجابا مبتدأ معينا، لكن فيه تطويل لطريق تحصيل مصلحة الواجب، وتماد في إيقاعها، فكان ما سلكناه في فرض الكفاية أقرب، وهو أن يخاطب الجميع بالواجب، فإذا علموا ذلك توفرت دواعيهم، أو داعية طائفة منهم على الخروج عن العهدة، فيخرج الجميع بذلك، ولا يسعهم التواكل).

<<  <   >  >>