قال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير"(٣/ ٣٥٩): ((يخصص الكتاب ببعضه و) يخصص أيضا (بالسنة مطلقا) أي سواء كانت متواترة أو آحادا (و) تخصص (السنة به) أي بالقرآن (وببعضها) أي تخصص السنة ببعضها (مطلقا) أي سواء كانت متواترة أو آحادا.
فمن أمثلة تخصيص الكتاب بالكتاب: قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: ٢٢٨] فإن عمومه خص بالحوامل في قوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق: ٤] وخص أيضا عمومه الشامل للمدخول بها وغيرها بقوله تعالى في غير المدخول بها (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)[الأحزاب: ٤٩].
ونحو ذلك قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[البقرة: ٢٣٤] خص بقوله سبحانه وتعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) ونحو ذلك قوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)[البقرة: ٢٢١] خص بقوله سبحانه وتعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)[المائدة: ٥] والمخالف في مسألة تخصيص الكتاب بالكتاب بعض الظاهرية، وتمسكوا بأن التخصيص بيان للمراد باللفظ فلا يكون إلا بالسنة، " لقوله تعالى:(لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[النحل: ٤٤] ... وأجيب بأن التخصيص لا يخرج عن كونه مبينا إذا بين ما أنزل بآية أخرى منزلة كما بين ما أنزل إليه من السنة. فإن الكل منزل (١).
ومثال تخصيص الكتاب بالسنة، حتى مع كونها آحادا عند أحمد ومالك والشافعي رضي الله عنهم: قوله سبحانه وتعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)[النساء: ٢٤] فإنه مخصوص بقوله - صلى الله عليه وسلم-: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) متفق عليه.
(١) وقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) يدل على أن القرآن فيه تبيان لكل شيء.