ومثال الثاني، وهو ما يستغني عنه الدليل لثبوت الحكم بدونه: قوله في بيع الغائب: «مبيع لم يره» العاقد، «فلم يصح بيعه، كالطير في الهواء»، وذلك لأن عدم الرؤية ههنا عديم التأثير في الأصل، وهو بيع الطير، لأن «بيع الطير في الهواء ممنوع»، أي: لا يصح وإن كان مرئيا. وعدم التأثير ههنا من جهة العكس كما تقدم، لأن تعليل عدم صحة بيع الغائب بكونه غير مرئي يقتضي أن كل مرئي يجوز بيعه، وقد بطل بيع الطير في الهواء.
وذكر النيلي هذا المثال على غير هذه الصفة، فقال: مبيع لم يره فلا يصح، كما إذا باع ميتة لم يرها، وهو في معنى النظم الأول، لأن عدم الرؤية في بيع الميتة عديم التأثير، إذ نجاستها تستقل بالبطلان كما أن الغرر في بيع الطير في الهواء بعدم القدرة عليه يستقل بالبطلان.
ومن أمثلة ذلك: قول المستدل: مس ذكره، فوجب عليه الوضوء، كما لو مس وبال، فإن مس الذكر مع البول عديم التأثير لاستقلاله بنقض الوضوء إجماعا.
واعلم أن الأول يسمى عدم التأثير في الوصف، لأن الوصف طردي غير مؤثر، كقوله: صلاة لا تقصر، والثاني يسمى عدم التأثير [في الأصل]، كعدم الرؤية في بيع الميتة والطير في الهواء لاستغناء حكم الأصل في ثبوته عنه).
ثم هناك أقساما أخرى مختلف فيها وهي: عدم التأثير في الحكم، وفي الفرع فلا داعي لذكرهما، فإنما الغرض التنبيه على القادح.
الشرط الخامس- أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل):
قال في "الأصل"(ص/٧١): (أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل؛ كالإيذاء في ضرب الوالدين المقيس على التأفيف).
قال المرداوي في "التحبير"(٧/ ٣٢٩٨): (من شروطه - أي الفرع - أن يشتمل على علة حكم الأصل بتمامها حتى لو كانت ذات أجزاء، فلا بد من اجتماع الكل في الفرع، وهذه العبارة أحسن من عبارة ابن الحاجب ومن تبعه: ' أن يساوي الفرع في العلة علة الأصل '، لأن لفظ المساواة قد يفهم منع الزيادة، فيخرج قياس الأولى، بخلاف هذه العبارة فإن الزيادة لا تنافيه، وهي شاملة لقياس الأولى، والمساوي، والأدون. إذا علم ذلك فإن كان وجودها بتمامها فيه قطعيا كقياس الضرب للوالدين