وجه الأول: أنه لو جاز ذلك أدى إلى حصول الشك في الحكم الشرعي، وذلك لا يجوز، وبيان تأديه إلى الشك: أن المخبرين المتساويين في الصدق لو أخبرنا أحدهما بأن الرسول دخل البيت في وقت عينه، وكنت معه لم أفارقه، ولم أغفل عن مشاهدته إلى أن خرج منه، ولم أره يصلى فيه. وأخبرنا الآخر: أنه رآه يصلي فيه، فإنا نشك هل صلى فيه أو لم يصل، ولا يجوز أن نظن صدق أحدهما ولا كل واحد منهما، وغنما لا يظن كذب أحدهما؛ لأم الظن: هو تغليب أحد المخبرين على الآخر، وذلك لا يحصل إلا بأمارة ترجح أحد المخبرين على الآخر وقد عدم ذلك، فإن كل واحد من المخبرين حاله في الثقة كحال الآخر، وكذلك في تجويز الخطأ عليه، وإنما لم يظن صدق كل واحد منهما لما بينا من أن الظن يحتاج إلى أمارة يرجح بها، فإذا كان في كل واحد منهما أمارة ترجحه على الآخر فيكون الآخر ناقصا عنه، وهذا تناقض، لأنه يؤدي إلى أن يكون كل واحد منهما زائدا على الآخر، وكل واحد منهما ناقصا عنه، وهذا محال فلم يبق إلا الشك ولا يجوز أن يحكم بالشك بحال ...
ثم قال: دليل آخر: وهو أن مساواة الأمارتين تقتضي إثبات حكميهما إما على الجمع وذلك غير ممكن وإما على التخيير والأمة مجمعة على أن مسائل الاجتهاد ليس المجتهد يتخير فيها ولا تلزم الكفارة والإبل في الزكاة (١)؛ لأنها ليست من مسائل الاجتهاد، وغنما يتبع فيها نص الشرع، ولأن المسالة مبنية على أن الحق من قول المجتهدين في واحد، وما عداه خطأ، وقد دللنا عليه، وإذا ثبت ذلك بطل أن تتكافأ الأمارات لأن مع التكافؤ لا نعلم الحق من الخطأ).
قال المرداوي في " التحبير"(٨/ ٤١٣١): "اختلف العلماء في تعادل دليلين ظنيين على أقوال: أحدها: أنه محال، وهذا الصحيح عندنا، وعليه الإمام أحمد، والأصحاب، وأكثر الشافعية، والكرخي، والسرخسي، وحكاه الإسفراييني عن أصحابه، وحكاه ابن عقيل عن الفقهاء، ويأتي كلام الخلال، وابن خزيمة.
(١) يشير - رحمه الله - إلى أن الشرع خير المكفر عن يمينه بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وكذا خير المزكي من الإبل إذا بلغت مائتين بين أربع حقاق وخمس بنات لبون. ولم يرد الشرع بالجمع بين خصال الكفارة أو الأربع حقاق والخمس بنات لبون في زكاة الإبل.