قوله:«حتى ما له سبب» أي: لا يجوزُ التطوُّع في هذه الأوقات حتى الذي له سببٌ.
وذلك لعموم الأدلَّةِ؛ في أنَّه لا صلاةَ في هذه الأوقات، فعمُوم النَّهي مقدَّمٌ على عموم الأمر؛ لأنَّ الذي له سببٌ تعارَضَ مع أحاديثِ النَّهي حيث كان كلٌّ منهما عاماً مِن وجهٍ، خاصاً مِن وجهٍ. مثال ذلك: تحية المسجد، فيها قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا دخلَ أحدُكُمُ المسجدَ فلا يجلسْ حتى يركعَ ركعتين) ففيه عمومٌ في الوقت مستفادٌ مِن قوله: (إذا دَخَلَ)؛ لأنَّ (إذا) شرطيَّةٌ ظرفيةٌ، أي: في أيِّ وَقْتٍ دَخَلَ المسجدَ فلا يجلسْ حتى يصلِّيَ ركعتين، وفيه خُصوصٌ في الصَّلاةِ، وهو أنَّ هذه الصلاةَ المأمورَ بها على سبيل العُمومِ صلاةٌ مخصوصةٌ، وهي تحيَّةُ المسجدِ، ففيه عمومٌ وفيه خصوصٌ. وقوله:(لا صَلاةَ بعد العصر حتى تغيبَ الشَّمسُ) فيه عمومٌ، وفيه خصوصٌ.
فيه عمومٌ في الصَّلاةِ في قوله:(لا صَلاَةَ) لا تحيَّةَ مسجدٍ ولا غيرَها، وفيه خُصوصٌ في الوقت (بعدَ العصرِ) فصار عمومُ الوقت في قوله: (إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ). وخصوصُ الوقت في قوله:(بعدَ العصرِ) وصار عمومُ الصَّلاةِ في قوله: (لا صلاة بعدَ العصرِ) وخصوصُ تحيَّةِ المسجدِ، فلهذا صار بينهما عمومٌ وخصوصٌ، فإذا دَخَلَ إنسانٌ المسجدَ بعدَ العصرِ فإنْ قلتَ له:«صَلِّ» خالفتَ النَّهيَ ووافقتَ الأمرَ، وإن قلت:«لا تصلِّ» وافقتَ النَّهيَ وخالفتَ الأمْر، فالمؤلِّفُ يقول: وافق النَّهي فلا تُصَلِّ.
والحجةُ في ذلك: أنه اجتمعَ مُبيحٌ وحاظرٌ، أو اجتمعَ أمْرٌ ونهيٌ، فالاحتياطُ التجنُّبُ خوفاً مِن الوقوع في النَّهي، كما قالوا: إذا اجتمعَ مبيحٌ وحاظرٌ قُدِّمَ الحاظرُ، فلذلك نمتنعُ ونقتصرُ على ما وَرَدَ به النَّصُّ مِن إعادةِ الجَمَاعةِ وركعتي الطَّواف وما أشبههما.