وذهبَ بعضُ أهلِ العِلْم: إلى ترجيحِ الأمرِ الخاصِّ.
وعلّلوا ذلك: بأنَّه تعارضَ عامَّان وخاصَّان، والعامُّ في النَّهي مخصوصٌ بمسائلٍ متفقٍ عليها.
فالعامُّ في النَّهي:(لا صلاةَ بعدَ العصرِ حتى تغربَ الشَّمسُ) مخصوصٌ بمسائلٍ متَّفقٍ عليها، وهي قضاءُ الفرائضِ، وإعادةُ الجماعةِ، وفِعْلُ ركعتي الطَّوافِ، وركعتي تحيَّةِ المسجدِ لمَن دَخَلَ والإمامُ يخطبُ يومَ الجُمُعةِ، فلمَّا كان هذا العمومُ مخصوصاً بمسائلَ؛ صارت دلالتُه على العمومِ ضعيفةً؛ لأنَّه لما اسْتُثنيَ منه أشياءٌ، ضعف عمومُه. حتى إنَّ بعضَ العلماءِ مِن الأصوليين قال: إنَّ العامَّ إذا خُصَّ بطلت دلالتُه على العموم نهائيًّا؛ لأنَّ تخصيصَه يدلُّ على عدمِ إرادةِ العموم. وإذا بطلَ عمومُه لم يكن معارضاً للأحاديثِ الدَّالةِ على فِعْلِ الصَّلواتِ التي لها سببٌ.
والقولُ الصحيحُ في هذه المسألةِ: أنَّ ما له سببٌ يجوز فِعْلُه في أوقاتِ النَّهي كلِّها، الطويلةِ والقصيرةِ لِما يأتي:
أولاً: أنَّ عمومَه محفوظٌ، أي: لم يُخصَّصْ، والعمومُ المحفوظُ أقوى مِن العمومِ المخصوصِ.
ثانياً: أنْ يُقال: ما الفرقُ بين العمومِ في قوله: (مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فَلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها). وقوله:(إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين)؟.
فإذا قلتم: إنَّ قولَه: (مَن نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها) عامُّ في الوقت فليَكُن قولُه: (إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ) عامًّا في الوقتِ أيضاً ولا فَرْقَ. فإنَّ قولَه:(مَن نامَ عن صَلاةٍ أو نسيَها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرَها) خاصٌّ في الصلاةِ عامٌّ في الوقتِ.
وكذلك (إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين) خاصٌّ في الصَّلاة عامٌّ في الوقتِ، فكيف تأخذون بعموم:(مَن نامَ عن صَلاةٍ أو نسيَها) وتقولون: إنَّه مخصِّصٌ لعموم: (لا صَلاةَ بعدَ الصُّبح) أو (بعدَ العصرِ) ولا تأخذون بعمومِ: (إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلَسْ حتى يصلِّي ركعتين).
ثالثاً: أنَّها مقرونة بسبب، فيبعد أنْ يقعَ فيها الاشتباهُ في مشابهة المشركين؛ لأنَّ النَّهيَ عن الصَّلاةِ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها، لئلا يَتَشَبَّهَ المُصلِّي المسلمُ