للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: القياس على ما لو اجتهد، وظن الحكم، لأن الكلام في مجتهد لم يجتهد بالفعل، فنقول: هذا مجتهد، فلا يجوز له تقليد غيره، «كما لو اجتهد وظن الحكم»، فإنه لا يجوز له تقليد غيره اتفاقا، كذلك ههنا، والجامع بينهما أهلية الاجتهاد، ولا أثر للفرق بينهما، بأن ذلك قد اجتهد بالفعل، وظن الحكم، بخلاف هذا، لأن ذلك تفاوت يسير، لأن تحصيل ظن الحكم على هذا يسير، بأن يجتهد كما اجتهد غيره.

الوجه الثاني: أنه ربما اجتهد، فتبين له خطأ من قلده. وحينئذ كيف يجوز أن «يعمل بما يعتقد خطأه؟» ولقائل أن يقول: إنا إذا جوزنا له تقليد ذلك الغير، فإنما ذلك بشرط أن لا يوجد منه اجتهاد في ذلك الحكم بنفسه، فإن وجد منه اجتهاد تعين ما صار إليه اجتهاده وسقط التقليد، كواجد الماء بعد التيمم وسائر المبدلات بعد إبدالها.

قوله: «نعم» أي: لا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره. «نعم له أن ينقل مذهب غيره للمستفتي»، إرشادا له إليه، «ولا يفتي هو بتقليد أحد».

قوله: «قالوا:» يعني من جوز التقليد احتجوا بوجوه:

أحدها: قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: ٤٣] «وهذا» وإن كان أهلا للاجتهاد، لكنه «لا يعلم» هذا الحكم الخاص، فيتناوله عموم هذا النص، فجاز له التقليد كالعامي.

الوجه الثاني: قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: ٥٩]، «وهم العلماء»، أمر بطاعتهم، وذلك بتقليدهم فيما يخبرون به عن الشرع، والخطاب للمؤمنين، وهو يتناول هذا المجتهد وغيره.

الوجه الثالث: «أن الأصل جواز التقليد» لامتناع حصول أدوات الاجتهاد في كل أحد عادة «ترك» ذلك «في من اجتهد» وظن الحكم، «لظهور الحق له بالفعل، فمن عداه» يبقى «على الأصل» وهو جواز التقليد، فثبت بهذه الوجوه أن هذا المجتهد المذكور يجوز له التقليد.

قوله: «قلنا:» إلى آخره هذا جواب الوجوه المذكورة. أما قوله - عز وجل -: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)، فالمأمور بالسؤال هم «العامة» بدليل قوله - عز وجل -: (إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، ولا نسلم أن هذا لا يعلم بل هو يعلم الحكم «بالقوة القريبة» من الفعل، لأن الفرض أنه مجتهد، «بخلاف العامي»؛ فإنه لا سبيل له إلى معرفة

<<  <   >  >>