ومن ثم نرى هذا الاختلاف في أسلوب آيات التربية الإلهية للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي في الآيات المكية تحمل في طياتها قوة صارمة وتوجيهاً بليغاً، وذلك لحفز عزيمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقوية إرادته أمام مصادمة العناد الكافر ومجادلة الشرك والوثنية.
وفي الآيات المدنية تأتي آيات التربية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وادعة هادئة موجهة كأنما هي سلاسل من العطف، والحنو الدافع إلى الامتثال.
وعلى هذا الأساس نجد أن آيات التربية والعتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وما يجري مجراها مما جاء للنضح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عنه تجري في هذا المجرى فنجد مثلاً في سورة الحاقة وهي مكية قوله تعالى:(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦)). وفي سورة الإسراء وهي مكية أيضاً نجد قوله تعالى:(إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥). ونجد في مفتتح سورة عبس هذا اللون التربوي بأجلى صورة.
بينما نجد في سورة التوبة -وهي مدنية- قوله تعالى (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وفي مفتتح سورة التحريم -وهي مدنية أيضاً- نجد قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١).