وفي كلا الحالين ينتهي المعنى إلى أمر واحد، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - نهي عن أن يكون خصيماً للبرآء لأجل الخائنين.
وعطف هذه الجملة، وهى قوله (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) -وهي جملة إنشائية لفظاً ومعنى- على الجملة التي قبلها من هذه الآية -وهي خبرية لفظاً ومعنى- إنما صح لكون المعطوف عليه ليس هو الجملة الخبرية، وإنما هو " ما ينسحب عليه النظم الكريم " من تضمن أمر محذوف تقديره: فاحكم بين الناس به ولا تكن للخائنين خصيماً.
ثم عطف على جملة النهي الأولى وهي (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) جملة النهي الثانية وهي (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ) من باب عطف الأثر على المؤثر، والمسبب على السبب لأن الجدل عن الخائنين أثر من آثار الكون خصيماً للبرآء لأجل الخائنين وهو -أي الجدل- مسبب عن الكون خصيماً للبرآء.
* * *
[(ما يدل عليه توسيط الأمر بالاستغفار بين النهيين)]
وتوسيط الأمر بالاستغفار بين النهيين لمحو بها عسى أن يكون هجس في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء أخذاً بظاهر الحال قبل أن يبين الله له جلية الأمر.
والنهي وإن كان لا يدل على وقوع المنهي عنه من المنهي إلا أنه لا ينفي أن يكون قد دار في النفس من متضمن النهي شيء فجاء الأمر بالاستغفار ليمحو ذلك الأثر.