فافتتاح الآية بهذا الاستفهام المتلطف في التقرير وختمها بقوله (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) غاية في التلطف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا يدل دلالة قاطعة على أن أسلوب الآيات التربوية يجري في نسق الآيات المكية بما فيها من القوه والشدة، ونجد أسلوب آيات التربية والعتاب يجري في نسق السور المدنية بما فيها من لين الجانب ووداعة الأسلوب والتوجيه.
* * *
[ما يلمح من شدة العتاب فيراد به تربية المجتمع]
وما قد يلمح من شدة في بعض آيات العتاب المدنية مثل قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)). فإنما القصد فيه إلى نوع من تربية المجتمع الإسلامى في أشخاص أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لتكون أسساً للتربية العامة في جميع مراحل الحياة، ولهذا عدل عن توجيه الكلام بطريق الإفراد في أول الكلام في قوله (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ ... ) الذي أخرج مخرج الغيبة مع أن المقصود به هو النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجمع في قوله (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) الذي قصد به تربية جماعة المؤمنين.
ولما كان موضوع رسالتنا البحث في آيات عتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من اللازم أن نبين المعاني التي استعمل فيها العتاب ونستطرد إلى بيان معنى الذنب كذلك، ثم نبين معنى التوبة مما أسند للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الآيات لينصرف الكلام بعد ذلك إلى الحديث عن آيات العتاب التي وقفنا عليها