وكما هو نهجنا فيما تناولناه من الآيات الكريمة بالبحث -أن ننظر للآية في سياقها من السورة التي هي فيها ليكون ذلك السياق مفتاحاً لفهم الآية وكشف المراد بها- نعرض آيات هذا النوع من العتاب.
* * *
[(أولى آيات هذا النوع من العتاب)]
وأولى هذا النوع قوله تعالى:(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)).
والحديث عن هذه الآية يستدعي التقدمة لها بعرض ما يدل عليه سياقها ليتضح المراد بها خطاباً لسيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد بدأ سباق هذه الآية بنداء المؤمنين بأشرف أوصافهم وهو (الإيمان) الذي يبعث الطمأنينة والرجاء في نفوسهم، ويدفعهم إلى تقبل ما يأتي بعده من شدة في الخطاب تذكيراً لهم بمكانهم من الإيمان، ولفتاً لأنظارهم لما يوجه إليهم من خطاب يذكرون فيه بمقتضيات الإيمان -وأهمها المسارعة إلى الجهاد لإعلاء كلمة الله بصيغة الاستفهام الإنكاري مرتين في آية واحدة " مشوباً الثاني منهما بنوع من التعجب "- بأن ما اعتراهم من تثاقلهم إلى الأرض حين دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النفر للجهاد في سبيل الله -في غزوة تبوك وفي آخر غزوة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وهي أشق غزوة وأقساها وقتاً واستعداداً- إخلاد منهم إلى الأرض ورضى بما عليها من زخرف زائل، وتقديم لراحة الحياة الدنيا الفانية، وطلب للذتها الناقصة مما لا يرضاه عاقل بديلاً، من الآخرة لأن ذلك نزول