ثم عقب آية (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . .) الآية، بتهديد موجع ووعيد شديد يبين أن هؤلاء الجاحدين واقفون على شفا نار جهنم بما اختاروه لأنفسهم من الكفر والجحود والاستهزاء بصفوة المؤمنين والسخرية بهم. فقال تعالى (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر).
ثم أتبع الله تعالى ذلك التهديد بالإخبار عما أعده للظالمين من سوء العذاب في أسلوب تنخلع له القلوب، وتذهب منه العقول وتجف من هوله الجلود. قال تعالى (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)).
* * *
[(وجه العتاب في الآية)]
ووجه العتاب في هذه الآية الكريمة أولاً في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحبس نفسه مع الصفوة من المؤمنين، وثانياً ما في قوله (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من المبالغة التي تفيد في ظاهرها إلزام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغض بصره عن كل من عداهم كما يشعر به منطوق النهي ومتعلقه.
وما في قوله (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من إفادته بظاهره أن مجاوزة نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصفوة الفقراء من المؤمنين إلى غيرهم إرادة لزينة الحياة الدنيا.
ثم عقب ذلك بما هو كالمقابل لطرد الصفوة عن مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم حبس نفسه عليهم بما هو سمة الفجرة من الكفار الذين طلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فنهاه الله عن إطاعتهم ووصفهم بغفلة قلوبهم عن ذكر الله واتباعهم للهوى والشهوات حتى كان أمرهم صائراً إلى البوار والهلاك