لما يعلمه من بركاتها، وما فيها من مشاق ومتاعب تستدعي أكمل الاستعداد، وأخذ الأهبة لسفر بعيد ومشقات قاسية، إذ ختمت بها غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبها أخرج أمته من ضيق مجال الدعوة في داخل الجزيرة العربية إلى عموم مجالاتها في أقطار الأرض.
* * *
[(إظهار نوايا المنافقين للتحذير منهم)]
ولما كان المنافقون مندسين في مجتمع المؤمنين بما يظهرونه من شعائر الإسلام، وكانوا على عزيمة ألا يخرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزرة جبناً وخوراً وفرقاً من ملاقاة العدو -وهذا على خلاف ما كان عليه خلص المؤمنين رغم تثاقلهم إلى الأرض، لما احتف بهم من الشدة، ولكنهم كانوا قد راجعوا أنفسهم، وصمموا عزائمهم على الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهما لاقوا من الشدة والأزمات- بيّن الله حال المنافقين بأنهم إنما يريدرن الدنيا وغنائمها وأنهم أوهن من أن يتحملوا مشقات الجهاد وأسفاره، فلو كان ما دعوا إليه عرضاً من أعراض الدنيا ينالونه من قريب، وغنيمة حاضرة يحصلون عليها دون مشقة في سفر قريب، وموضع سهل لاتبعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم مضمرون للتخلف عنه، ولكنهم لا يتخلفون عن عرض من أعراض الدنيا وغنائمها فقال الله تعالى فيهم يفضحهم ويكشف سترهم (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٤٢)).