[(احتمالات ما يدل عليه الخطاب بهذه الآية الكريمة)]
ثم قال تعالى:(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) وهي جملة حالية جاءت لتؤكد ما تضمنته جملة الحال الأولى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) لأن الإخفاء المعاتب عليه كأنه خشية من الناس لا تصلح أن تكون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مقامه العظيم، فجاءت الجملة الثانية (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) لتؤكد هذا المعنى، وتبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسارعة إلى الأخذ بما كان قد أعلم به أولاً حين أنجز له بقوله (زَوَّجْنَاكَهَا).
وفيها احتمال ثان وهو أن يكون عطف جملة (وَتَخْشَى النَّاسَ) على جملة (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) من باب عطف السبب على المسبب، فإن إخفاء الإعلام بتزويجها له، وعدم الإسراع إلى إعلان ما أعلمه الله به وقوله لمولاه زيد " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " إنما كان سببه خشية قالة الناس من المنافقين ومرضى القلوب وأعداء الإسلام من اليهود والمشركين، لما في توهم من التشهر به من صد للناس الراغبين فِي دخول الإسلام وزعزعة لقلوب حدثاء الإيمان من أهل الإسلام.
وفيها احتمال ثالث يجعلها مستقلة بمعناها، والعطف فيها من عطف جملة على جملة كل منهما تفيد معنى مستقلاً وهو حمل معنى لفظ الناس في قوله تعالى (وَتَخْشَى النَّاسَ) -كما قال بعض المفسرين- على المؤمنين خشية أن يفتتنوا بما يقع من زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمطلقة دعيه لأن عدم زواج مطلقة الدعي كان عادة متأصلة في النفوس عميقة الجذور، وكان في المؤمنين حدثاء الإسلام من لم يرسخ الإيمان في قلوبهم فكانت خشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -