على المؤمنين رحمة بهم أن يلقي الشيطان في أنفسهم شيئاً يأثمون به ويهلكون.
وإنما أوثر تعدية فعل الخشية إلى مفعوله بنفسه على هذا الوجه -دون تعديته بلفظ على المناسب للظاهر من الكلام- تضميناً للفظ الخشية معنى الحذر بمعنى تحذر فتنة الناس -أي المؤمنين- فترحمهم أن يقعوا في الفتنة.
ونظير هذا -في الخشية على المؤمنين أن يفتنوا- ما ورد في الحديث الصحيح مما رواه البخاري من أن صفية بنت حيي أم المؤمنين زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أتت تزور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معتكفه فتحدثت إليه ساعة ثم أرادت الإنصراف فقام معها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة " مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: " على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي " فقالا: سبحان الله يا رسول الله.
وكبر عليهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ".
قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى -: - " إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئاً يهلكان به ".
فهذه الخشية كانت من قبيل الرحمة والإحسان إلى المؤمنين ليحفظ - صلى الله عليه وسلم - عليهم إيمانهم كما تضمنه كلام الإمام الشافعى.