طمعاً في إيمانهم، لأن شأن الإيمان مرتبط بالقلوب لا بالمظاهر والثراء والترف وزخرف الدنيا.
* * *
[(ما فتن به المستكبرون عن قبول الإيمان)]
ثم بيّن الله تعالى أن هؤلاء الكفرة المستكبرين فتنوا في أنفسهم بالإعراض عن النظر في آيات الله تعالى ومعجزات رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقبول هديه، وأن مثل هذا الإفتتان وقع لهم بافتتانهم بإيمان هؤلاء الصفوة من ضعفاء المؤمنين حسداً لهم وتحقيراً لشأنَّهم لما يرون عليهم من سمات الفقر والضعف، ونيلهم المنزلة العظمى بإيمانهم وقبول هدى الله وانقطاعهم له سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع آناء الليل والنهار لا يبتغون بذلك شيئاً من رغائب الدنيا وزخارفها وإنما يريدون وجه الله تعالى.
وهذا كناية عن كمال الإخلاص والعبودية لله تعالى، فالمشبه به في قوله (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) فتنة رؤوس الكفر بإعراضهم عن النظر في آيات الله وبراهينه ودلائله على توحيده واستقامة هديه، والمشبه فتنتهم بإيمان هؤلاء الصفوة الذين أثنى الله عليهم أعظم الثناء، ولم يكن لهم من الدنيا شيء، وإنما هم منقطعون إلى الله تعالى بدعائه والتضرع له والتعبد لذاته المقدسة.
ثم أظهر الله تعالى مدار فتنتهم بهم وأنَّهم حقروهم عن أن تكون لهم هذه المنزلة العظمى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التقريب والاحتفاء بهم فقالوا:(أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) أي أهؤلاء الفقراء الذين لا يملكون من الدنيا شيئاً وليس لهم ثراء مثل ثرائنا ولا هم مستطيعون أن يترفوا بالنعم ويتمتعوا بنعم الدنيا كما نترف ونتمتع، فالاستفهام إنكاري مشعر بالاستهزاء والتحقير.