ولعل هذا الوجه من أحسن ما تنزل عليه الآية الكريمة لأنه اللائق بما جُبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرأفة والرحمة، وبما كان في المسلمين من حدثاء الإسلام الذين لم تتعمق جذور الإيمان في قلوبهم بعد، فخشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم ذلك.
* * *
[(ما كان يخشاه من الناس)]
وحمل خشيته - صلى الله عليه وسلم - من الناس على الخوف من كلام المشركين والمنافقين
واليهود، وما يرمونه به - صلى الله عليه وسلم - من أقوال سيئة تسيء إليه - صلى الله عليه وسلم - برده ما تعالم
وعرف في تاريخ تبليغه الرسالة على مدى مدة الإقامة في مكة -وكان ثلاثة عشر عاماً- وما مضى من مدة قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة إلى حين وقوع قصة زيد وزينب -وهي قد وقعت في السنة الثالثة أو الرابعة من الهجرة- من مناهضة الكفر والشرك والوثنية وطغيان ملأ قريش وعتوهم وفجور سفهائهم من مواقف حفظها تاريخ السيرة النبوية المطهرة من صبر على البلاء ومجابهة للأعداء في أحداث ووقائع كثيرة تدل -قطعاً- على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان في حياته المباركة يخشى أحداً غير الله تعالى، ولا يقيم وزناً لأقوال الناس فيه وأفعالهم معه حتى رفع لواء العقيدة خفاقاً في آفاق الأدلة والبراهين التي جعلت من العقيدة التوحيدية بنياناً راسخاً وطيد الدعائم لا يستطع -والحمد لله- أحد من الناس أن يخدشه بسوء.
ولم يهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة حتى كان بنيان العقيدة التوحيدية شامخاً يراه كل من ينظر إليه من قريب أو بعيد.
وفي مهاجره - صلى الله عليه وسلم - لقي من أعداء الإسلام اليهود والمنافقين وبقايا المشركين ما لا يقل فى عنفوانه وعتوه عن فجور مشركي مكة فلم يحفل به ولا خشي أحداً من الناس بل نصب لأعدائه الحرب حتى قضى عليهم