الموضع الثالث: جاء في أول سورة الفتح وهو قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣)).
* * *
[دلالة أمره تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر]
أما الآية الأولى وهي آية سورة غافر فقد جاءت بعد أن بين الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه تعالى ينصر رسله وعباده المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم ذكر أن اليوم الآخر لا تنفع الظالمين فيه معذرتهم، ووصمهم بأن لهم اللعنة ولهم سوء الدار، ثم ذكر أنه تعالى آتى موسى الهدى وأورث بني إسرائيل الكتاب وجعله هدى وذكرى لأولي الألباب للتأسي بموسى - صلى الله عليه وسلم - في صبره على أذى قومه.
ثم وجه الخطاب لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال له (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) الآية.
وهذا السياق مشعر بأن المعاندين من الكفرة المشركين كانوا في موقف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يشعر بالشدة وسوء اللقاء فأخبره الله تعالى بأنه سبحانه ناصر رسله وناصر المؤمنين، وأن هؤلاء المعاندين سيلقون جزاءهم في الدار الآخرة، وذكر له بعد ذلك أنه أنزل على عبده موسى التوراة وجعلها هدى وذكرى لأولى الألباب.
وهذا السياق تضمن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حالة من ضيق الصدر والضجر لما يلقاه من أعداء دعوته المعاندين المستكبرين من إعراض ومعوقات يقيمونها أمام نشر دعوته وتبليغ رسالته، فكان ما سبق آية