وقوله تعالى ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) إشفاق من الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، له قوة التعليل الضمني في بلوغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجهد ما هو فوق طاقته، وتبليغ الرسالة يقتضى أن يقصر من هذا الجهد ويكف عن بعضه حتى يقوم بواجب تبليغ رسالته على الوجه الأكمل دون أن يلحقه ما يضر بصحته.
وقوله (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) مفعول لأجله معمول لـ (باخع)، والمعنى: لعلك في هذا الجهد الشديد قاتل نفسك حرصاً على إيمانهم لعدم وجود هذا الإيمان منهم رغم ما تبذل من كل جهد وطاقة.
* * *
[(موضع العتاب من هذه الآية)]
وموطن العتاب فيها هو موطنه في نظيرتها آية سورة الكهف باستعمال أداة الإشفاق " لعل " وصيغة باخع نفسك والتعليل بعدم إيمانهم رغم ما يبذل من حرص على إيمانهم.
وأما كونه عتاب توجيه فلأنه لم يعقب بتنبيه على شىء يجب تركه وإن لم يترك وقع ما يخاف منه، كما لم يعقب بتحذير وإنما أريد به نقله من حالة بذله غاية الجهد إلى التوسط فيما يبذله من ذلك وقوفاً مع ما أمر به.
ويزيد هذا القسم من العتاب أنه عتاب إقصار وكف عن بعض ما يبذل من جهد في التبليغ على خلاف سابقه -عتاب الدفع- في أن المطلوب فيه كان قوة العزيمة، وبذل كل الجهد في تبليغ الرسالة مع عدم المبالاه بما يلقى من الأذى والبلاء في سبيل تبليغ رسالته.