فإن الأمر بإنذار عشيرته الأقربين -وهو أمر بالإنذار الخاص بعد تقدم درس التربية بخطاب ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. . .) الآية له حكمته الخاصة، وهو أن يأنس الرسول - صلى الله عليه وسلم - بطبيعته البشرية إلى أنه سيجد بجانبه من يقف معه إيماناً أو حمية فيزيده ذلك إسراعاً في امتثال أمر الله تعالى إلى التبليغ، ولذلك جاء في حديث علي - رضي الله عنه - الذي قدمنا صدره ومن خرجه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت عليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعا علياً فقال له: " اصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عساً من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم، وأبلّغ ما أُمرت به " قال علي: ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول النبي - صلى الله عليه وسلم - بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال:" كلوا بسم الله " فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما ترى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم ثم قال:" اسق القوم يا علي " فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم. فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلما كان الغد قال: " يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق