فإذا ما حرم الله تعالى شيئاً فليس لأحد من كان أن يحله، لأن التحريم حكم الله تعالى وشرعه لعباده، وهو العليم بخفايا الأشياء والأفعال ومضارها، فيحرم منها ما يشاء، ويحل منها ما يشاء، فإذا أحل الله شيئاً فلا محرم له من بعده وإذا حرم شيئاً فلا محل له من بعده.
ومن ذلك يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم على نفسه شيئاً تحريماً شرعياً مما كان الله تعالى قد أحله له، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يملك ذلك ولا يخالف لله تعالى أمراً ولا نهياً لعصمة الله تعالى له من ذاك كله.
فلم يبق إلا أن يتوجه التحريم المخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية إلى المعنى اللغوي -وهو الامتناع كما قال به حذاق المفسرين- إذ هو الأصل أولاً، ولامتناع صدور المعنى الشرعي منه - صلى الله عليه وسلم - في المراد بالتحريم في هذه الآية ثانياً.
* * *
[(ما يدل عليه تصدير الآية بندائه بوصف النبوة)]
فيكون معنى الآية على هذا -وقد صدرت بندائه - صلى الله عليه وسلم -، بوصف النبوة تشريفاً لمكانه وتعظيماً لمقامه- يا أيها النبي لم تمنع نفسك وتحرمها من الاستمتاع بما أحله الله لك مما لك فيه رغبة ومتعة ونفع بما يشق عليك من حرمان نفسك حقها مما أحللناه لك من متعة الحياة وزهرتها.
أما ما حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفسه فمنعها منه فجمهور المفسرين على أنه سريته مارية القبطية أم ولده إبراهيم - عليه السلام.