وثانية آيات هذا النوع من العتاب قوله تعالى -من سورة الأنعام-: (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٥).
وهذه الآية تدخل في ظاهر أمرها ومجمل موضوعها تحت عتاب التوجيه لأنها عتاب على شدة حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إيمان قومه الذي بلغ فيه مبلغاً ليس وراءه مطلب لحرص حريص، فهي بحسب هذا الظاهر من قبيل (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ).
غير أنَّهَا لما اشتملت على تحذير وشيء من الشدة في الخطاب بلغ مبلغ التيئيس من إيمانهم الذي أشعر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يترك طريقاً من طرائق جذبهم إلى الإيمان إلا وقد سلكه معهم، حتى كأنه - صلى الله عليه وسلم - رغب في أن لا يأتيه الله بشيء ينفرهم منه وأن ينزل عليه ما يقربهم منه فمن هنا كانت أنسب بوضعها في عتاب التحذير.
ْوقد جاءت هذه الآية إثر بيان الله تعالى مبلغ ما وصل إليه حزنه - صلى الله عليه وسلم - على عدم إيمان قومه وأنه بلغ في هذا الحزن مبلغاً جعله كالمتطلع إلى أن يأتيه الله تعالى في وحيه بما يقربهم منه ويرغبهم في الاستجابة إليه بتحقيق ما اقترحوا من آيات.