[(التمويه بالجدل الكاذب في الدنيا لا ينجي من عذاب الآخرة)]
ولما كان الجدل في لدنيا يمكن أن يقع به التمويه والخداع، وكان الجدل في الآخرة مكشوف السوأة لا يخدع به أحد نبه الله تعالى على أن جدلهم في الدنيا وإن كان خادعاً لم ينفعهم بشيء لأن الله تعالى أعلم رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونبهه على ما فيه من خيانة وخداع، ولكن جدل الآخرة لا يمكن أن يقع بسببه خداع ولا خيانة لأن الحاكم إذ ذاك هو الله وحده علام الغيوب فقال لهم منكراً مقرعاً (فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يوم تنكشف الحقائق فلا يغطيها خداع أو لحن بحجة.
ثم قال لهم (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) أي من يكون كفيلاً لهم يوم القيامة ينجيهم من عذاب الله حيث لا خداع ولا خيانة.
* * *
[(فتح باب التوبة للتائبين)]
ثم فتح الله تعالى للتائبين باب التوبة رحمة منه وتفضلاً على عباده فقرر قاعدة عامة يدخل فيها كل تائب مستغفر فقال تعالى:(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠)).
ثم بيّن أن من يكسب إثماً ومعصية من خيانة أو خداع عن الحق فإنما كسبه لها راجع علي نفسه يضرها ولا يضر غيرها فقال:(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١)) وفي هذه الفاصلة تهديد ووعيد لهؤلاء المنافقين بأن الله لا يخفى عليه خداعهم، وأن رسوله - صلى الله عليه وسلم - في عصمة وحماية منه تعالى لا يتركه لخداعهم وخيانتهم، وأنه تعالى حكيم يضع الأمور في مواضعها.