أما الموضع الثالث من العتاب التوجيهي لإقصار وكف بعض جهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التبليغ إبقاء على نفسه وطاقته فجاء في آية من سورة فاطر وهو قوله تعالى:(فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
والمتأمل في هذه الجملة يجدها جاءت في قوله تعالى:(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨)). في سياق سبقت فيه بنداء عام إلى جميع الناس يذكرهم ربهم تبارك وتعالى فيه بنعمه عليهم وأجل هذه النعم خلقه تعالى لهم إبداعاً من العدم وتوليهم برحمته ورزقهم من السماء والأرض، وكان من حق هذا الإله المنعم المتفضل بالإحسان ألا يتخذ إله غيره، ولكن هؤلاء الكافرين عدلوا عنه إلى غيره، وانصرفوا عن عبادته إلى آلهة أصنام وأوثان عبدوها من دونه وكذبوا رسله، فحاكاهم هؤلاء المشركون الذين كذبوا رسول الله محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وسخروا من دعوته، واغتروا بما في أيديهم من زخرف الدنيا ومتاعها مما حملهم عليه الشيطان لعداوته لكل إنسان كما أخبر الله تعالى في قوله (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ثم توعدهم بشديد العذاب إن ظلوا على كفرهم