وأما أنه من عتاب التوجيه -في قسمه الثاني- فلأنه أريد به إقصاره وكفه - صلى الله عليه وسلم - عن بعض ما يبذله مما هو فوق طاقته من الجهد في قوم لا يلوح فيهم رجاء.
* * *
(ثانية عتاب الإقصار)
أما الآية الثانية من آيات كتاب التوجيه الإقصاري لكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بعض جهده في تبليغ دعوته إبقاء عليه ورحمة به فهي قوله تعالى -في أول سورة الشعراء- (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
وهذه الآية نظيرة لآية سورة الكهف السابقة فهي في لفظها وأسلوبها مماثلة لها.
وكما وردت آية سورة الكهف في سياق خاص أبرز التمهيد للعتاب في الآية هناك، كذلك هنا جاءت الآية في مفتتح سورة الشعراء إثر آية واحدة هي قوله تعالى (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وهذه الآية تحمل في طياتها من السياق المضمر ما يحمله سياق آية سورة الكهف في التمهيد لإبراز العتاب في صورته التي جاء بها.
وذلك أن قوله تعالى (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) معناه في مضمونه الذي انطوى عليه أننا أنزلنا عليك الكتاب -وهو القرآن الحكيم- كتاباً مبيناً فاصلاً بين الحق والباطل، وفارقاً بين الخير والشر، وقد أعَرض عنه هؤلاء المشركون فلم يتدبروا آياته، ولم يتعرفوا منازل أحكامه، واستمرؤا العكوف على الشرك والضلال، وحرصت أنت على إيمانهم حرصاً بلغت فيه مبلغ من يشفق عليه، ويرحم أن يبذل نفسه هذا البذل الذي يبخعها