ثم بيّن أن الإنذار بالقرآن وبما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما يفيد الذين يُقرّون بالبعث ويخافون أن يحشروا إلى ربهم وهؤلاء هم المؤمنون، ولا يضرهم فقرهم ولا ضعف منزلتهم في الدنيا، لأنهم سموا بأنفسهم فآمنوا واهتدوا وانقطعوا إلى الله تعالى متبتلين في محاريب دعائه غدوة وعشية لا يريدون بذلك إلا وجهه ولا يتطلعون إلى شيء من الدنيا وزخارفها، وهذا هو قول الله تعالى:(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ثم قال تعالى: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).
أي أن هؤلاء الصفوة لم يُحمِّلوك شيئاً من أمرهم فلا أنت ترزقهم ولا أنت تحصي عليهم أعمالهم فتجازيهم عليها وإنما أمرهم إلى الله.
فهؤلاء الصفوة لم يطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً يشق عليه وهم أخلص الناس في مودته وأسعدهم بعلو دعوته وهو بهم رءوف رحيم.
(وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي أن هؤلاء الصفوة لا يتحملون شيئاً من أمرك وتصرفاتك ونشر دعوتك، وتبليغ رسالتك، لأنهم متبعون لأمرك وهديك.
ثم فرع على ذلك تأكيداً لتأسي الأمة به - صلى الله عليه وسلم - ووجوب إتباعها له ووقوفها عند أمره فقال (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي إن فعلت ذلك اقتدت بك أمتك وتابعتك عليه، وهو ظلم أنت أبعد الناس عنه، ولتكن قدوة أمتك بك أن تكون على منهجك وحالك فلا يطرد الضعفاء والمساكين من المؤمنين من أجل تقريب الكبراء المترفين من غير المؤمنين