وبهذا أيضاً يرد على القرطبي فيما ذهب إليه من أن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - -الذي سبق أن سقناه- يقتضي مكية هذه الآية والسورة مدنية بإجماع. فمدنية السورة لا يمنع من وجود آية أو آيات مكيات فيها.
ودعوى أبي حبان في البحر أن مكية هذه الآية يجعلها أجنبية بالنسبة لما قبلها وما بعدها لأنه في قصة اليهود والنصارى - في مسلمة أيضاً لأن وجود آية بين آيات منسجمة معها في المعنى متسقة في الربط والتناسب لا يلزمه اتحاد زمن نزول هذه الآيات إذ كثيراً ما تكون الآية مكية لكنها مناسبة لمعاني آيات مدنية اقتضت وضعها بينها توقيفاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبهذا البيان الذي صور حالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مطلع رسالته وموقف أعدائه المشركين منه ومن دعوته وانتصابهم لإيذائه وإيذاء أصحابه وإقامة العوائق أمامه في دعوته وما كان يضيق به صدره الشريف -بما ينزل عليه من آيات تعيب المشركين وتسفه أحلامهم، وأحلام آبائهم وتعيب آلهتهم- من أمره بتبليغ رسالته مهما يكن فيها من شدة على المشركين يفهم ما جاء في آيات وصفت ضيق صدره - صلى الله عليه وسلم - بما أنزل إليه من ربه ونهيه عن هذا الضيق وهي التي أطلقنا عليها آيات عتاب التوجيه.