وليس معنى هذا امتناع أن يراد معنى مجازي للحرج يليق بمقام الآية كتفسير من فسر الحرج بالخوف من التكذيب، لأن هذا الخوف مع متعلقاته لازم من لوازم ضيق الصدر الطبعي ولا تمنع منه العصمة.
وليس في روايات ترتيب السور، ولا في أسباب النزول ما يقطع بوقت نزول سورة الأعراف في مكة، والمعهود أن السورة ولا سيما الطول من القرآن لا تنزل آياتها دفعة واحدة، ولم يقل ذلك إلا في الأنعام، فالاحتمال قائم على أن مطلع سورة الأعراف -ومنه الآية التي هي موضع البحث هنا- من أوائل ما نزل من القرآن الكريم بعد الآيات التي قطعت الروايات الصحيحة بأنها أول ما نزل من القرآن العظيم كآيات أوائل سورة " اقرأ " وأوائل سورة " المدثر ".
والنظر في الآية التي معنا يفيد -بما احتف به من قرائن كثيرة وما جاء من روايات قدمنا ذكرها وتحقيق ما فيها من ضيق صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مطلع هذا البحث - أن هذه الآية مما نزل في أوائل الأمر بالإنذار العام- أي في الوقت الذي كان يعتري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ضيق صدره من تبليغ ما أنزل إليه، لأن النهي عن الحرج في الآية يقتضي أن يكون وارداً على سبب اقتضاه.
والذي دلت عليه الروايات التي يمكن أن تكون تفسيراً هذه الآية هو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أعلم أنه رسول الله إلى الناس وأن عليه أن يبلّغ رسالة الله إلى خلقه منذراً بها، وداعياً إليها، وهادياً إلى أحكامها وشرائعها ضاق بها ذرعاً، وتهيب مواجهة الناس بما أنزل إليه فصمت ولم يسرع إلى التبليغ، فنزل عليه جبريل - صلى الله عليه وسلم -، وأخبره أنه إن لم يبلغ أمر ربه عرّض نفسه لعذابه.