أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) فقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد أن بيّن الله تعالى حال الإنسان الذي تبطره النعمة ويضجره سلبها، بأنه إذا نزعت منه نعمة -من صحة وأمن ومال وجاه وولد وغيرها مما كان يتمتع بها- بسبب كفره بها وعدم شكره الله عليها، فإنه ييأس من روح الله تعالى، ويقطع رجاءه منه، لعتوه في كفره، وأنه إن ذاق نعماء بعد ضراء مسته نسي ما كان فيه من شدة وبؤس، فبطر وأشر بما أنعم الله عليه، فهو بذلك فخور على الناس منشغل به عن أن يقوم بحقه.
ولم ينج من هذه الصفات السيئة إلا الصابرون على الضراء متى حلت بهم إيماناً بالله واحتساباً لثوابه واستسلاماً لقضائه العاملون الصالحات فهؤلاء هم المبشرون بمغفرة من الله لذنوبهم وأجر كبير، وسيد هؤلاء سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان المثل الأعلى في الصبر الجميل والصفح العظيم.
فإقامة الوصف - (صبروا) - في المستثى -وهو صلة الموصول مقام الموصوف وأصله (آمنوا) بدلاً من صبروا- ترغيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في استدامة ما هو عليه من التذرع بجميل الصبر وقوة الاحتمال في سبيل تبليغ رسالته ونشر دعوته.
فكان ما سبق قوله تعالى (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) الآية إعداداً وتهيئة لقبول ما جاء فيها بصدر رحب وقوة لا تقادر للنهض بتبليغ جميع ما أنزل الله إليه، ولذلك " صدرت بالفاء تفريعاً على ما سبق من الرد عليه، والاستهزاء به، تنبيهاً على سببية ذلك " في الإشفاق عليه وتحذيره