صدرك أيها الرسول بما يقولون من هجْر القول والتكذيب والاستهزاء والسخرية بك، وبدعوتك التي أرسلك الله بها لتخرجهم من ظلمات جهالة الشرك، والوثنية إلى نور الإيمان والتوحيد، ولا يشغل قلبك أمرهم، فيدخل عليه هماً أو غماً، ويقتطع شيئاً من وقتك فاصرف قلبك من ذلك، وتوجه إلى الله تعالى بكثرة التسبيح له والسجود لجلاله يكفك ويكشف عنك كل ما يعترض سبيلك من معوقات، ويرفع عنك كل ما تجده من ضيق وحزن لمجرد ما تسمع من مقالات كاذبة تصدر عن أعدائك المشركين.
وتختلف هذه الآية الكريمة عن الآيتين السابقين في أن ضيق الصدر فيها جاء معللاً " بما يقولون " وبيّن في آية سورة هود بعض قولهم، كما بيّن في سور أخرى، وجعل التعليل في آية سورة الأعراف بالإنذار بالكتاب المنزل عليه، والتذكير به.
وما يقولون محتمل أن يكون من قبيل قولهم في آية سورة هود، وما جاء في مثيلاتها في السور الأخرى.
والإبهام هنا -بعدم ذكر ما يقولون- مخفف لوطأة الخطاب، بل يجعل فيه تلطفاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتصر على التذكير بما كان فِي صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنه يراد لهذا الضيق أن يزول فلا يبقى له أثر في صدره الشريف بدليل التفريع بعده في قوله تعالى:(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)).