فالقشيري قال:" وإنما يقول: العفو لا يكون إلا عن ذنب من لم يعرف كلام العرب " وقال نفطويه فيما أورده عنه أبي حيان في البحر: " ذهب ناس إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - معاتب بهذه الآية، وحاشاه من ذلك بل كان له أن يفعل وألا يفعل حتى ينزل عليه الوحي، كما قال: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ". لأنه كان له أن يفعل وأن لا يفعل، وقد قال الله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) لأنه كان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي، واستأذنه المتخلفون في التخلف واعتذروا، اختار أيسر الأمرين تكرماً وتفضلاً منه - صلى الله عليه وسلم -، فأبان الله تعالى أنه لو لم يأذن هم لأقاموا للنفاق الذي في قلوبهم وأنَّهم كاذبون في إظهار الطاعة والمشاورة، فـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ) عنده افتتاح كلام أعلمه به أنه لا حرج عليه فيما فعله من الإذن وليس هو عفواً عن ذنب إنما هو أنه تعالى أعلمه أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق، وما وجبتا قط " ومعناه: ترك أن يلزمكم ذلك.
قال أبو حيان -بعد أن أورد كلام نفطويه-: " ووافقه عليه قوم فقالوا: ذِكْرُ العفو هنا لم يكن عن تقدم ذنب، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العرب بأن تخاطب بمثله لمن تعظمه وترفع من قدره، يقصدون بذلك الدعاء