" لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس لهم فقهٌ في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا. قال: فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر قريش لتنْتهُنّ أو ليبعثنّ الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف علي الدين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان ".
وهذا الحديث بسياقيه صريح في عدم رضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولهم ذلك، وردٌّ وصد، ورفض صريح لطلبهم وبيان لغضبه - صلى الله عليه وسلم - عليهم، وعلى من آزرهم بالقول منهم، وتهديد ووعيد شديدين لهم جميعاً، مما يدل على أن ما صدر منه من تهديد ووعيد وتوعد لهم في الحديبية قد صدر منه - صلى الله عليه وسلم - مثله قبل ذلك حين صدر منهم شبيه بطلبهم ذلك في سابق أيامهم يوم أن كان بمكة، لأن حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حال واحدة في جميع ما يُعترض به على دعوته إلى إخلاص العبادة لله وحده في أول أمره، وآخره لا يتغير.
وقد أمره الله - عز وجل - بإبلاغ ما أنزل إليه، وأنه - عز وجل - يعصمه من الناس، ويمنعهم من قتله واستئصاله فقال (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).