لا يوجد كتاب غيره يجمع ما جمع من الهدى والنور والخير.
ومن هنا كان آخر كتاب ينزل من السماء لا مبدل لكلماته ولا مغير لمحكماته.
ولما كان أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلاوه الكتاب الذي أوحى إليه، والاستمساك به الذي لا مبدل لكلماته مقتضياً للحفاوة بالمؤمنين به ولا سيما الذين تبتلوا في محاريب الإيمان منقطعين إلى الله تعالى يبتغون وجهه لا يريدون شيئاً من زينة الحياة الدنيا وزخارفها ومقتضياً لإبعاد الظالمين المستغرقين في الدنيا وزخارفها المحقرين لصفوة المؤمنين، وهذه الحفاوة بهؤلاء الصفوة من عباد الله المخلصين تتمثل في أن يصبر النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه على الجلوس معهم وفي إعراضه عن الظالمين المستكبرين من المستغرقين في الدنيا وزينتها.
وقد جاء الأمر بطريق الاستئناف المشعر بأن هؤلاء الصفوة أحقاء بالقرب والتقريب فقال تعالى:(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. . .) الآية، أمراً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحبس نفسه ويقصرها على مجالستهم وتعليمهم إعلاء لمنزلتهم عند الله تعالى ولمكانتهم من الإيمان بالرسالة وإخلاص العبودية لله تعالى ابتغاء وجهه لا يريدون زينة الحياة الدنيا ولا يحبون أن يكونوا من أهلها.
وقد أكّد الله تعالى ذلك بنهيه - صلى الله عليه وسلم - أن تتجاوز عيناه النظر إلى أولئك الصفوة من المؤمنين طلباً لإسلام الكبراء من العظماء والأعيان والأغنياء من أئمة الكفر ورؤوس الباطل طمعاً في إيمانهم وإيمان أتباعهم ومن يسيرون في ركبهم وظلهم من عامة الناس الذين يتبعون كل ناعق لا يريدون من الحياة