فذهب القاضي عياض والنسائي والأصيلي -فيما نقله عنهم النووي في شرح مسلم- إلى ترجيح رواية أن التي شرب النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها العسل زينب. وقالوا: إنها أصح. ولم يكلموا في صحة غيرها، والأصحية لا تنافي الصحة، وحينئذ يبقى الحديث على الاحتمال فلا يصلح به القطع في الاستدلال.
ورجح الحافظ ابن حجر ما رجحه هؤلاء الأئمة بأن عائشة وحفصة كانتا متظاهرتين على النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما جاء عن عمر - رضي الله عنه - فيما أخرجه البخاري في التفسير وفي الطلاق وسبق أن حمل القصة على التعدد جمعاً بين الروايات وبذلك يبقى الاحتمال قائماً إذ لم يمكنه رفع الاحتمال عن الحديث.
وهذا مما يؤيد ترجيح ما ذهبنا إليه من أن الذي حرمه النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفسه هو سريته مارية أم ولده إبراهيم - عليه السلام -، ويرشح ذلك تعليل التحريم المنكر عليه بقوله (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ).
ووجه الترشيح بهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رفعة مقامه وجلال مكانته -نبياً ورسولاً- قدوة لأمته في جميع ما يقع منه قولاً أو فعلاً أو تقريراً ما لم يدل دليل على اختصاصه به - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم مأمورون بمتابعته، وأن متابعته قد جعلها الله تعالى دليلاً على حبه سبحانه في قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ