ولما أفشت من أسر إليها هذا الحديث إلى صديقتها وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ عليها أن تكتمه ولا تخبر به أحداً عرفه الله تعالى إفشاءها سره وأظهره عليه، فذهب عن الحديث وصف سريته وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضه وأعرض عن بعض.
والذي عرف به هو تحريم سريته - صلى الله عليه وسلم - أو شربه العسل، والذي أعرض عنه هو الإنباء بالخلافة لما يترتب على إذاعته والتحدث فيه من أضرار وفتنة قد تؤثر على أنفس بعض المؤمنين الذين قد يكونون يتطلعون -في صمت- إلى منصب الخلافة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فلما نبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحبة إذاعة السر وإفشائه بما أفشته من سره دهشت وقالت:" من أنبأك هذا؟ " ولعلها ظنت أن صاحبتها هي التي أخبرته فقالت له: " من أنبأك هذا؟ " فقال لها -كما حكى الله تعالى ذلك- " نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ".
ثم توجه الخطاب في قوله تعالى (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) -من باب الحفاوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والتأديب لمن أفشت سره بهذا الأسلوب المشعر بالزجر والتهديد- إلى اللتين تظاهرتا عليه - صلى الله عليه وسلم - بالإذاية والغيرة وإفشاء سره بأنهما إن يتوبا إلى الله تعالى مما أزعجا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن التوبة حق واجب عليكما لأن قلوبكما قد مالت عن الحق كما تدل عليه قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - " زاغت قلوبكما ".