وإبراز ابن أم مكتوم بوصفه المشتق من العمى دون اسمه بيان لعذره فيما واجه به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تكرير القول عليه، وسبب في أحقية التلطف به والعطف عليه فهو مما له مدخل في العتاب.
ثم قال تعالى مخاطباً رسوله - صلى الله عليه وسلم - (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) في هذه الآية تذكير له - صلى الله عليه وسلم - بأن ما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - من التقطيب والإعراض -بسبب قطع الأعمى لحديثه المستمر مع من يدعوه إلى الله تعالى- ليس من سجيته الكريمة - صلى الله عليه وسلم -، ولا مما يصلح أن يكون منه - صلى الله عليه وسلم - لما ينبغي أن يقابل به الأعمى طالب الهداية من التلطف والرأفة والرحمة به وبكل من جاء يطلب هداية الله تعالى ويسمع آياته، ويتعلم منه - صلى الله عليه وسلم - مما علمه الله تعالى، ولا سيما إذا كان في حال ابن أم مكتوم في عذره بالعمى الذي حجب عنه من كان يتحدث مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولعله لم يسمع الحديث لأن المتعارف في أحاديث هؤلاء الكبراء أن تكون أقرب إلى الهمس منها إلى الجهارة.
وإبراز تزكية الأعمى ابن أم مكتوم - في أسلوب الترجي فيه إشعار بأنه لم يكن إذ ذاك مسلماً، ولا سيما إذا انضم إلى هذا ما ورد في موطأ الإمام مالك - رحمه الله تعالى - من قوله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا محمد استدنني ".
وقد ذهب السهيلي -في الروض الأنف- إلى ترجيح عدم إيمانه حين جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده القوم فقال: ". . مع أنه -أي الأعمى- لم يكن آمن بعد، ألا تراه يقول (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) الآية، ولو كان قد صح إيمانه وعلم ذلك منه لم يعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . وكذلك لم يكن ليخبر عنه ويسميه بالاسم المشتق من العمى دون الاسم المشتق من الإيمان والإسلام، ولو كان دخل في الإيمان من قبل -والله أعلم- وإنما دخل فيه