الأولى: أن الله تعالى جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخيار في الحكم بينهم فإن شاء حكم وإن شاء أعرض ولم يحكم أي أن الأمر مفوض إليه - صلى الله عليه وسلم - فإن رأى -باجتهاده- مصلحة وحسن قبول منهم لحكمه حكم بينهم وإلا أعرض عنهم ولا ضرر عليه منهم.
الثانية: أن تقييد أمره بالحكم بينهم (بالقسط) يشعر بزيادة تنبيهه - صلى الله عليه وسلم - على تحري الصواب فيما يحكم به وهو دليل على أن الله تعالى أذن له أن يحكم بينهم باجتهاده لأنه لو كان الحكم بالوحي لم يكن لهذا القيد فائدة بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يحكم إلا بالقسط.
٥ - قوله تعالى (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) ووجه الاستدلال به أن الآية الكريمة أمر عام بالاعتبار لأهل البصائر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس بصيرة وأصوبهم رأياً وأحسنهم استنباطاً فكان داخلاً في العموم ومأموراً بالتأمل والاعتبار.
والاعتبار -عند الأصوليين- هو النظر في علة الحكم المنصوص عليه وتعديتها إلى غير المنصوص عليه للتسوية بينهما في الحكم بمقتضى هذه العلة، قال الفخر الرازي: قال المفسرون " الاعتبار هو النظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنظر فيها شيء آخر من جنسها "، وهذا النظر هو الاجتهاد.