(وكان ذلك أول درس عملي تلقيتُه من قائد سريتي، في أول يوم من حياتي العسكرية العملية في الوحدات العاملة، ثم توالَتْ عليَّ الدروس المماثلة كاللحن المكرر يُعاد على مسامعي صباح مساء).
(ولم أُباغَت بما سمعتُه من قائد السرية، فقد تكاثَرتْ عليَّ نصائح المجربين منذ اعتزمت الالتحاق بالكلية العسكرية: أن أبتعد عن تعاليم الدين الحنيف، وأكيّف نفسي لتلائم مناخ العسكريين).
(وبعد تخرجي ضابطاً في الكلية سنة ١٩٣٨ م التحقتُ بمدرسة الخيَّالة في بغداد، فانهالت عليّ الدعوات الشخصية الرسمية التي يسيل الخمر فيها أنهاراً، وانهالت معها عليّ النصائح والانتقادات، وكان اعتذاري عن حضور تلك الحفلات يُقابَل بالنقد اللاذع والسخط المرير).
(ولكنني كنت أتلقى النصح تارة، والنقد تارة أخرى من لِداتي الذين لم يتجاوزوا العشرين، وهم شباب في عمر الورد لا ينقصهم المال والفراغ، ولم أكن أتوقع أبداً أن أسمع نفس النصح أو النقد من قائد سرية تجاوز الأربعين من عمره، وأمضى في الخدمة العسكرية ما يزيد على العشرين عاماً!!).
(وشاء القدر ألا يطول استغرابي من تصرف قائد السرية، لأنني وجدت تصرف قائد الكتيبة نحوي -وهو الذي تجاوز الخمسين من عمره- وكان ضابطاً مخضرماً قضى شطراً من خدمته العسكرية في الجيش العثماني، وشهد الحرب العالمية الأولى، لا يختلف في شيء عن تصرف قائد السرية نحوي، كلاهما يأمر بالمنكر، وينهي عن المعروف).
(وكان من تقاليد الجيش أن تولم الوحدات لضباطها الجدد وليمة، تطلق عليها اسم: (وليمة التعارف والاستقبال) تقدم فيها الخمر مع ما لذَّ وطاب من الأطعمة الشهية، وقد يصاحب ذلك أنغام الموسيقى والرقص زيادة في الحفاوة