وكان آخر ملوك القوط الغربيين الأريوسيين هو: ليوفيجيلد ( Liuvigild) (٥٦٨-٥٨٦ م)، وكان محارباً مقداماً ظل يحارب الكاثوليكيين طول حياته. وخلفه ابنه ريكاردو ( Recaredo) ، فاستبان أنه لا صلاح لدولة القوط في هذه البلاد، إلاّ إذا تخلّى ملوكها عن المذهب الأريوسي. وتخلى هذا الملك عن المذهب الأريوسي، وأعلنه في مجمع طليطلة الديني سنة (٥٨٧ م): اعتنق الكاثوليكية هو وأهل بيته، وتبعه الأمراء وكبار أهل المملكة، وبهذا أصبحت الكاثوليكية هي الديانة الرسمية في إسبانيا من ذلك الوقت. وهذا الحادث الخطير، سيظل مؤثراً في التاريخ الإسباني كله، فإن الكاثوليكية تأصلت في أهل البلاد مع الزمان، وزادها قوة ميل الإسبان التشدد في الأديان، والتعصب لكل ما يؤمنون به، فأصبحت إسبانيا معقلاً من أمنع معاقل الكاثوليكية، وكان لهذا أثر بعيد جداً في حياة الإسبان، وفي مجرى تاريخهم كله.
وأعقب هذا التحول إلى الكاثوليكية اعتبار اللاتينية اللغة الرسمية في البلاد، وتوثق الصلات بين إسبانيا والبابوية. وقد تفانى خلفاء ريكاريدو في الولاء للبابوية، تفانياً شجع البابوية على بسط نفوذهم الديني -بل السياسي- في البلاد، وبدأ يفد على البلاد هذا الفيض المتصل من قساوسة الكاثوليك ورهبانهم، وأصبحت طليطلة أسقفية، يقيم فيها أسقف كبير يمثل سلطان البابا ونفوذه، وأيده الشعب الإسباني الروماني الذي لم يتخلّ عن الكاثوليكية بعد ذلك. ومن هنا نفهم السر، في أن نفوذ أسقف طليطلة لم يقل في وقت من الأوقات في التاريخ الإسباني المسيحي عن نفوذ الملك، إن لم يزد عليه في كثير من الأحيان. وكان تحول القوط إلى الكاثوليكية الخطوة الفعالة الأولى لامتزاج الشعبين القوطي والإسباني الروماني، فقد ظلاّ متباعدين ما اختلفت عقيدتاهما الدينيتان، فأما وقد اتفقا في العقيدة، فقد انفتح الباب أمام الامتزاج، ولكنه لم يتم إلاّ على صورة مصغرة جداً، لأن القوط حرصوا على أن يحتفظوا لأنفسهم بمركز الشعب الحاكم.
وكانت الملكية القوطية انتخابية، أي أن نفراً من كبار أهل المملكة