للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاسديه، ودسّ له مَن سقاه جرعة مخدِّرة لم تلبث بعد أن شربها أن غاب في سبات عميق. وحسبه الناس قد مات، وهيّئوه ليواروه التراب، فبينما هم في ذلك، إذ عاد إلى رشده. وبدلاً من أن ينهض لتأديب مَنْ ائتمروا به على هذا النحو الغريب، ترك العرش للطامعين، وترهب وقضى بقية حياته في الدير.

وعندما اعتلى غَيْطَشَة (وِتِزا: Witizu) العرش في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة (٧٠٠ م)، كانت الأمور قد اضطربت بسبب المؤامرات التي كان كبار القوط يدبرونها، ولا نعرف حقيقة أمر هذا الملك، لأن النصوص الباقية عنه تعطينا صوراً متناقضة عن شخصه وأسلوبه في الحكم، والظاهر أن معظم النصوص الإسبانية تثني عليه، فقد حاول جهده أن يصلح الأمور، فعفى عمن كان والده أخيكا قد أساء إليهم، ومال إلى إنصاف الناس من استبداد نبلاء القوط، فكرهه هؤلاء وعوّلوا على القضاء عليه وعلى حكمه، فأخذوا يثورون عليه في نواحي المملكة، وأخذ يحاربهم ويحبط كل مؤامراتهم، فلما علت به السن، عجز عن أن ينهض لكل واثب به مدبر عليه، وتآمر عليه أهله، واستطاعت زوجته أن ترغمه على أن يعلن ابنه الصبي وَقِلَه (أخيلا Achila) ، وأقامه حاكماً على الولايتين الناربورنية والطكونية. وكان هذا الإعلان، حافزاً للطامعين في العرش من كبار القوط إلى مضاعفة الجهد في التدبير على غيطشة، ومحاولة القضاء عليه وعلى دولته، ليخلو لهم العرش، ويفعلون به ما يشاءون. ويبدو أنه لم يأل جهداً من جانبه في القضاء على كل محاولة يقومون بها، لأن النصوص تحدثنا أنه عاقب تيوفريدو دوق قرطبة بسمل عينيه، ونفى ثائراً آخر اسمه: بلايُه من البلاط (١).

ويبدو أيضاً أنه أساء الظن بيهود، فاضطهدهم وأوقع بهم في أواخر أيامه، فقد اتهمهم غيطشة بالتدبير عليه، وبالتآمر مع مَن تسميهم النصوص الإسبانية: أهل ما وراء البحر ( Los transmarinos) ، ومعنى ذلك أنهم


(١) وانظر المراجع المعطاة. . Saavedra. op.cit.p.٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>