للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغربيين ومن المستشرقين، لتصبح حقيقة لا شك فيها بالنسبة لبعض مؤرخي العرب والمسلمين المحدثين ولا تبقى أسطورة من الأساطير.

ولا أرى أن مثل تلك القصة لا يمكن حدوثها في كل زمان ومكان، وبخاصة في تلك الأيام، في ذلك المحيط، الذي اتّسم بالانحراف، فأصبح قاعدةً في القوط بعكس الاستقامة التي أصبحت استثناء فيهم. كما أن ردّ الفعل الذي أظهره يليان ليس مستغرباً من أب تجاه انتهاك عرض ابنته قسراً، كما أن ذكرها في حشد من المصادر المعتمدة يوثِّق حدوثها ويؤيد وقوعها، ولا عبرة بالمصادر العربية القليلة التي لم تتطرق إليها اختصاراً أو لأسباب أخرى، إذ لو كان مؤلفوها لا يصدِّقونها لأبدوا رأيهم فيها، ولكنهم لم يفعلوا (١). ومثل هذه القصة تكررت كثيراً في محيط الواقع، ولا تزال تتكرر حتى اليوم (٢)، وأكثرنا نسمع أمثالها، فلماذا لا نكذِّبها، ونكذِّب قصة ابنة يليان، لأن مصادرها المعتمدة عربية إسلامية؟. ولست مع الذين يشككون في هذه القصة، وأراها السبب المباشر لتعاون يليان مع المسلمين، ولكنني لا أراها السبب الرئيس، بل السبب الرئيس هو أنه كان يتلقى من غيطشة الإمدادات عَدَداً وعُدَداً، مما سهل عليه الدفاع عن ولايته، فلما حرمه لذريق من تلك الإمدادات بسبب مشاكله الداخلية، استاء من هذا التوقف، وبدأ بالتعاون مع المسلمين على القوط، خاصة بعدما شعر بقوة المسلمين المتنامية في المنطقة، وإقبال البربر على الدخول في دين الله أفواجاً.

ولعل مما يعزِّز أن تغيّر وضع يليان: من الدفاع العنيد عن ولاية سبتة، إلى الاستسلام المفاجئ للمسلمين وتسليم سبتة لهم واندفاعه في معاونته للمسلمين وتعاونه معهم مادياً ومعنوياً على النظام القائم يومها في إسبانيا، هو هذا الأثر البالغ على نفسيته، بعد علمه بقصة ابنته مع لذريق، فنسي كل


(١) البلاذري (٢٣٠ - ٢٣١) برواية الواقدي، البيان المغرب (٢؛ ٦) برواية الواقدي و (٢/ ٤) برواية عريب بن سعد، وابن الشباط (١٠٥ - ١٠٦) برواية عريب بن سعد.
(٢) د. علي البارودي - حدث في رحلة الخريف (٦٥ - ٦٦) الإسكندرية - بلا تاريخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>