في أن مؤرخينا - يقصد مؤرخي الغرب - لا يبسطون القول في هذا الفصل الذي هو أهم فصل في التاريخ لأسباب أربعة: أولها: إن حال إسبانيا وصقلية والشرق من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، هي نقيض لحال أوروبا النصرانية والقذرة إلى حد لا يتصور. والثاني: مع أن العرب، ابتدأ رقيهم من درجة متوحِّشة مثل القوط والفندال، فقد شجعهم بقايا مدنية اليونان والفرس على أن يشيدوا مدنية زاهية في أقل من قرنين، بينما سكان أوروبا تحت سلطان (البابوات) مضت عليهم سبعة قرون قبل أن يصلوا إلى درجة هي أدنى بكثير من مستوى العرب والمسلمين. والثالث: أن هؤلاء العرب الذين شيدوا هذه الحضارة الزاهرة، كانوا من المتسامحين في الدين، ولم يكونوا من المتعصبين. والرابع: أن حضارة أولئك العرب، كانت مقدمة للتجديد والتقدم الذي نحن فيه اليوم. إلاّ أنني أختصر القول هنا، فأقول: إن هذه الحضارة هدمها المتعصبون من نصارى إسبانيا في الأندلس، ثم يقول: لقد مضى ألف سنة إلا قليلاً، على الناس، بعد اندراس مدنية العرب في الأندلس، قبل أن يوجد كتاب يستحق إضاعة الوقت في قراءته، وبعبارة أخرى، كانت للعرب في زمان مجدهم كتب قيمة، فلما مضوا وأُحرق أكثر تصانيفهم، بقي للناس ألف سنة تقريباً، لا يجدون كتاباً يستحق أن يُقرأ، وقد قال ستوارت في كتابه:(تاريخ الآداب العربية): كان في الأندلس ألفا ألف مصنّف، ولم يصلنا من كتبهم إلاّ شيء قليل.
وقال المؤلف في كتابه:(الأخلاق): كان في المملكة الإسلامية طوائف عشرين ديناً منقسمين إلى مائة مذهب، وكلهم كانوا يعيشون بسلام وتسامح. والخراج القليل الذي كان يفرض على غير المسلمين، كان في الحقيقة مدداً لبيت المال، ولم يكن يُقصد به التعالي عليهم وإهانتهم. والخلفاء كانوا يعلمون كيف كان النصارى يُعاملون المنحرفين من الدين في أوروبا، فحقّ لهم. أن يفخروا بأنهم أفضل وأعدل ملوك الأرض.
وقال في الجزء نفسه بصدد البحث في تاريخ المسلمين بمصر: وبعد بضع